مظاهر الاحتفال والتعايش بذكرى المولد النبوي في الحديدة
أنور الطيب – الحديدة نيوز
المولد النبوي في تهامة :
شوارع مزينة، أطفال وكبار يلبسون الملابس الجديدة، مكبرات المساجد تصدح بالمحاضرات والدروس ، وبالصلاة والسلام على رسول الله (ص) ، وقراءة سيرته، ودروس الهجرة النبوية المباركة ، اكتظاظ المساجد والدواوين ومبارز العلم بالحاضرين ، أناشيد وقصائد وتواشيح دينية، وأجواء روحانية واحتفائية متعددة الأشكال والصور، تعيشها المناطق التهامية في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف.
وجهٌ آخر لمظاهر الاحتفال أشبه ماتكون بعِيْدَي الفطر والأضحى ، اعتاد التهاميون الحفاظ عليها وتعايشها بشكل تقليدي منذ مئات السنين، إلاّ أن بعض المظاهر طرأ عليها التجديد ، وبعضها اختفت تدريجياً منذ عقود من الزمن ، ولعل السبب الأكبر هو الفقر الذي يعاني منه الغالبية العظمى من أبناء تهامة.
كيف يحتفل أبناء تهامة بالمولد النبوي؟
إن للاحتفال بالمولد النبوي الشريف في مدينة الحديدة – التي تمثل اليوم قصبة تهامة – مظاهر كثيرة ولا تختلف عنها بقية مناطق تهامة الممتدة من حدود المملكة العربية السعودية إلى باب المندب.
يتحدث لموقع الحديدة نيوز ، الشيخ (أحمد حسن عياش، 56 سنة ) إمام وخطيب أحد جوامع مدينة الحديدة،
بأنّ من تلك المظاهر : التشوق لحلول ذكرى المولد النبوي الشريف والتبشير بقدومه منذ ظهور هلال شهر ربيع الأول، حيث يقوم الخطباء والوعاظ والكتَّاب بالحديث عن هذه الذكرى الغالية على قلوب المسلمين، مذكرين بأهمية يوم المولد الشريف، الذي يعني مولد النور والهدى، وجلاء الظلمات والضلالة، والإخاء بعد العداوة، والمساواة بين الناس، لا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى .
ويضيف” أن الآباء والأمهات يقومون بإدخال الفرح على الأطفال بشراء الملابس الجديدة لهم، ليغرسوا في أنفسهم أهمية هذه الذكرى وفضل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على البشرية جمعاء ، فينشأ النشء متعوداً على الاحتفال بالمولد الشريف محباً لصاحبه – عليه أفضل الصلاة والسلام.
و في اليوم الحادي عشر من شهر ربيع الأول لا تعتبر وجبة الغداء وجبة رئيسية عند الغالبية من أبناء تهامة ، بل يتم وقتها أكل ما تيسر من الأكل الخفيف، ويتم التعويض عنها بوجبة العشاء، لما يتبعها من السمر في الأماكن العامة، وخاصة في مبارز العلم أو في المنازل ، كما أنه يتم التوسع في وجبة العشاء، ومن كان متيسراً يقوم بذبح بعض الدواب ويوزع اللحم على المستحقين من الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمحتاجين، وكان بعض الميسورين يوزعون الملابس أيضاً على المحتاجين لإدخال الفرح عليهم “.
ومن المظاهر الاعتيادية المتواثة في هذه المناسبة – خصوصاً في ريف تهامة- أنهم يقومون بوضع الحناء للأطفال وكذلك لبعض الكبار في أيديهم وأقدامهم ، وبعض الفتيات والنساء يفضّلن نقش الخضاب .
ويخرج الأطفال بعد صلاة العصر في اليوم الحادي عشر من شهر ربيع الأول بملابسهم الجديدة ، وتعطى لهم نقود زائدة عن القدر المعتاد في غير هذه الليلة؛ لشراء ما يريدون من أكل ولعب، ويعودون إلى المنازل قبيل المغرب.
وبعد صلاة المغرب – قبل تناول وجبة العشاء – يخرج الناس للصلاة والاستماع إلى خطب الخطباء ومحاضراتهم وقصائد الشعراء ومنظوماتهم، وفي بعض المساجد يقتصرون على قراءة أحد الموالد الخاصة كمولد “الميرغني” أو “الديبع “أو “العزب” أو ” الحريري” ، ويتبرع بعض الناس بالبخور والعطور للمسجد والحاضرين، ثم يصلون العشاء، ويعودون إلى المنازل لتناول وجبة العشاء.
أكلات خاصة بالمناسبة
ومن الأكلات الرئيسية التي يتم تناولها في وجبة العشاء في أرياف تهامة أكلة الدخن وهو عبارة عن ذرة مطحونة يتم تشكيها كأقراص دائرية، وتوضع في الفرن ثم يتم تفتيتها ويوضع فيها المرق واللحمة والسمن البلدي ، ويتم خلطها مع بعض وتناولها، إلى جانب أكلة (الزربيان) التي تتكون من الأرز واللحم ، وبعض الأكلات الأخرى، بينما البعض يستبدل أكلة الدخن بأكلتَي بنت الصحن التي يضاف عليها العسل، أو (الفتة) وهي عبارة عن خبز مفتوت يوضع فيها العسل والسمن ، ويضيف البعض عليها القشطة أو الموز .
بعد تناول العشاء أو قبله يغتسل الرجال والنساء ويلبسون ثيابهم الجديدة، ويتضمخون بالعطور والطيب والبخور ويبخرون المنازل، ثم يتم السمر على ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقراءة سيرته وجهاده وأخذ الدروس والعبر من حياته وحياة أصحابه – رضي الله عنهم، فبعضهم يسمرون في المبارز وبعضهم في المنازل مع عائلاتهم وبعضهم يدعو بعض جيرانه وأصدقائه للسمر لديه، كبار السن يدعون أمثالهم، والشباب مع الشباب، حتى الأطفال يدعون أمثالهم للسمر، وكذلك النساء، كل فئة تدعو فئتها، وتضمخ تلك الأماكن بالطيوب والبخور وعقود الفل والورود.
في صبيحة يوم المولد الموافق للثاني عشر من شهر ربيع الأول بعض الناس يصومون فرحاً بمولده – صلى الله عليه وسلم – وشكراً لله تعالى على أن أخرجهم بمولد هذا الرسول الكريم من الظلمات إلى النور، وأفاء عليهم به الظل بعد الحرور.
عادات وتقاليد
ومن العادات التي جرت في تهامة في هذا اليوم زيارة الأهل والأرحام حتى أن النساء يأتين مع أبنائهن وأزواجهن للمقيل في بيت والدها، فيتناولون الغداء معاً ، وتجلس البنت والأولاد في بيت أبيها إلى بعد العشاء، ثم تعود إلى منزلها.
يخرج الأطفال في الليلة الثانية بملابسهم الجديدة ونقودهم الوافرة إلى تلك الساحات للتنفيس عن أنفسهم والترويح عليها، ويعودون قبيل المغرب.
إلَّا أن هذه المظاهر بدأت تتلاشى في الآونة الأخيرة وخاصة في المدن، مما أفقد هذه الذكرى جمالها وروعتها.