مقتطفات من رسالة زبيد!
بقلم/ أنور نعمان راجح
في طريقي إلى زبيد تذكرت الكثير من الروايات التاريخية التي تحكي عن تاريخ هذه المدينة الآيلة للسقوط من قائمة المدن التاريخية اليوم.. وتساءلت في نفسي كيف يمكن لمدينة عريقة أن تسقط من شواهد التاريخ على مرأى ومسمع من أبناء وطن يهمهم أن يكونوا أصحاب تاريخ عريق له شواهده الحية القائمة في غير مكان من بلدهم، وفي زبيد في مقدمة كل الأماكن؟
تذكرت سير الأعلام الذين ذكرهم التاريخ أنهم كانوا في زبيد علماء يدّرسون الناس القادمين من مشارق الأرض ومغاربها، وأولئك الذين تعلموا في زبيد ومضوا ينقلون علومهم ومعارفهم في أصقاع الأرض.. وتذكرت.. وتذكرت وانتهى بي الأمر إلى قول أحد الشعراء الذي حن إلى زبيد فقال مخاطباً أحد المسافرين إلى زبيد:
وأنت واطاوي البطاح
ومسافر إلى زبيد
السلام.. السلام.. صفاح
ربما أنها “تفيد”
وقبل أن أنهي شريط التذكر كنت عند أبواب مدينة زبيد، وبدأت رحلة التجول في الشوارع والأزقة ونظرت إلى المباني قديمها وجديدها وهي تبادلني النظرات وتقول الكثير عن حال المدينة وتشتكي من إهمال طالها فأوصلها إلى قاب قوسين أو أدنى من السقوط من قائمة المدن التاريخية، وهي وإن سقطت من هذه القائمة فأنها لن تسقط من صفحات التاريخ الناطق الحي في زبيد.
المشكلة الحقيقية هي أن الغير أدركوا قبلنا في هذا البلد الحال الذي وصلت إليه مدينة زبيد، ونحن في غمرة الخلاف والاختلاف والصراع على المناصب والغنائم والمغانم ونسينا تاريخنا وانشغلنا عن حاضرنا وعن المستقبل فأصبح كل شيء آيلاً للسقوط.
ترى زبيد كأنها امرأة شاخت قبل أوانها وبدت عليها علامات النحول والاصفرار من جور المعاناة وشديد التعب، في الوقت الذي أكل فيه البعض مخصصات التاريخ والحاضر والمستقبل ويتوقون إلى المزيد، وهو ما ينذر بتحول كل المدن إلى الحال الذي صارت إليه مدينة زبيد.
جوار قلعة زبيد التاريخية تقع معصرة “البيشي” وصاحبها هو الحاج عبده بن عبده عبدالله البيشي حدثني عن زبيد خلال سني عمره التي تزيد عن خمس وسبعين سنة وكيف تراجعت أحوال مدينة زبيد لتصبح على ماهي عليه اليوم من بؤس ظاهر لا يحتاج إلى تدقيق لإدراكه.
كان ينبغي أن تكون زبيد فتاة عشرينية لو أن الجهات المسئولة تحترم المسئولية الملقاة على عاتقها وتحترم التاريخ والناس، ولو أنها فكرت باستثمار التاريخ لصالح الحاضر والمستقبل لكان الأمر غير الذي هو الآن من وضع آيل للسقوط في كل الجوانب. هناك قصور بنيت من الفساد فكانت ملكية خاصة وقد استنزفت من المال العام ما يكفي لترميم وصيانة كل المدن التاريخية، وللحفاظ على مدينة العلم والعلماء زبيد التي سمعتها تلقي على مسامعي رسالتها قبل أن أغادرها وقد طلبت مني إيصال هذه الرسالة إلى كل أبناء اليمن من أجل التحرك العاجل لإنقاذها من إهمال أتى على شواهدها ومعالمها وبان كل شيء في الطرقات والأحياء والمباني.
ودعت زبيد وصدى صوتها يلاحقني في منعطفات الطريق قائلاً: لا تدعوا الذين انشغلوا بالفساد في الأيام الخالية ينشغلون بالمزيد منه وبالصراعات التي يديرونها اليوم على حساب المدن أرضاً وإنساناً وتاريخياً وحاضراً ومستقبلاً.. ولا تدعو زبيد تسقط من قائمة المدن التاريخية، أعيدوها إلى صدارة القائمة.