“قتلنا البرد” بهاتين الكلمتين لخصت أم مريم مأساتها الممتدة منذ ثلاث سنوات ونيف، بعد فرارها من أتون الحرب المشتعلة على مقربة من منزلها بمدينة الحديدة الساحلية (غرب اليمن)، مع أطفالها وبعض من أقربائها إلى مدينة ذمار.
تعيش أم مريم، فصولًا مؤلمة في خيمتها مع برد الشتاء، وهي من اعتادت طوال حياتها على العيش في مدينة تتمتع بجو حار.
وتنخفض درجة الحرارة ما دون الصفر في مدينة ذمار، ما يسبب لها ولأقاربها أمراض الشتاء وفي مقدمتها أمراض الجهاز التنفسي.
تفتح أم مريم باب خيمتها المهترئة لتروي لمراسل “المشاهد” معاناتها منذ لحظة نزوحها إلى ذمار قائلة: “لا فراش ولا أثاث غير بطانية ممزقة هي كل ما تمتلك لمواجهة البرد مع أطفالها الأربعة”.
لدى وصولها إلى مدينة ذمار تم تقديم خيام لها وللنازحين الآخرين من مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “الاوتشا”، وبعض الفراش والبطانيات، لكن مع مرور الوقت تمزقت هذه الخيام، وانتهت تلك البطانيات والفراش.
ومنذ ذلك الحين لم تحظ أم مريم بأي مساعدة أخرى من المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن كما تقول، مضيفة أنها المساعدة الوحيدة التي تلقتها من منظمة دولية.
وتتقاسم أم مريم ذات الهم والألم مع الآلاف من الأسر النازحة إلى مدينة ذمار، والتي باتت تعيش حالة من المعاناة لا تتوقف منذ وطأت أقدامها المدينة، بعد أن تركوا خلفهم منازلهم وحياتهم القديمة، لتختصر أحلامهم في توفير وجبة من الطعام، أو شيء من الدفيء في ليالي الشتاء.
مجمع صغير للنازحين
إلى جانب خيمة أم مريم، عدد من خيام النازحين في منطقة الغربية لمدينة ذمار، ومنهم عبدالله وهو رب أسرة مكونة من سبعة أطفال ووالدتهم.
نزح عبدالله من الحديدة مع 12 أسرة لتعيش في هذا المكان، لكن المؤسف كما يقول عبدالله إنهم لا يجدوا أي مساعدة من المنظمات منذ عدة أشهر، باستثناء بعض مساعدات فاعلي الخير والجيران.
ويضيف لـ”المشاهد”: “هربنا من بيوتنا بالملابس التي علينا وتركنا كل شيء هناك، وهنا لم نجد غير البرد والجوع”، متابعًا بحزن: “يوم نشبع وعشرة أيام نموت جوعًا، وأغلب أكلنا صدقات من يد الناس أو بقايا الأكل في المطاعم”.
ويضاف إلى معاناة الجوع والفقر، العيش في خيام بدون بطانيات أو فراش للنازحين، وليس لديهم ملابس.
وقال عبدالله: “كل يوم ونحن نسعف اثنين أو ثلاثة أطفال إلى المركز الصحي؛ بسبب البرد، ونقترض حق العلاجات من الناس”.
وتكتفي أم مريم باستخدام الحطب أو بقايا الكراتين لتصنع لأطفالها القليل من الأرز، إلى جانب ما تتلقاه الأسرة من مساعدات يقدمها الجيران ومخبز خيري قريب من خيمتها يقدم الخبز للنازحين والفقراء بشكل يومي مجانًا.
مساعدات خيرية لا تكفي
وسط هذه المعاناة المستمرة، تعمل بعض المؤسسات الخيرية، على تقديم المساعدة لجزء يسير من النازحين في مدينة ذمار من خلال توفير البطانيات.
ومن هذه المؤسسات، مؤسسة أيادي الرحمة الخيرية التنموية التي تعمل على تنفيذ حملة أطلقت عليها “دفئني” للعام الرابع على التوالي، توفر من خلالها البطانيات والملابس الشتوية للأسر الأشد فقراً والنازحين في مدينة ذمار وضواحيها.
وقال محمد الغليبي المدير التنفيذي لمؤسسة أيادي الرحمة لـ”المشاهد” إن الحملة تتضمن عدة مراحل، تشمل توزيع الأغطية والملابس لأكثر من خمسة آلاف مستهدف، بدعم من فاعل الخير وبعض التجار في محافظة ذمار، مشيراً إلى أن الحملة لا تستطيع توفير الأغطية والملابس الشتوية لجميع المحتاجين لكنها تسعى إلى التخفيف من المعاناة للأكثر الفئات المتضررة من البرد، وفي المقدمة من يسكنون في العراء وليس لديهم منازل، والأيتام والنازحين والمعدمين.
دفعت أنشطة مؤسسة أيادي الرحمة في هذا الجانب، بعض المبادرات الشبابية والجمعيات الخيرية في مدينة ذمار، والتي تتبنى حملات مماثلة لمساعدة الفقراء بما أمكنها من البطانيات والملابس الشتوية المستخدمة.