يمنية في بيروت : “منتصبة القامة أمشي”وفي صنعاء أمشي محدودبة لكي أخفي صدري

‏  4 دقائق للقراءة        661    كلمة

هند الأرياني

لكل إنسان نقطة تحول في حياته، بالنسبة إلي، لبنان، وتحديداً بيروت كانت المدينة التي غيرت حياتي وأفكاري ونظرتي إلى العالم.قد تكون بيروت مرتبطة في أذهان العرب بالسهرات الليلية، ويُعتَقد أن شارع الحمراء، شارع “الفسق والعهر”، وتُفسّر الحريات بأنها انحراف عن الأخلاقيات، وهذا ما كنت أنا ايضاً أعتقده قبل زيارتي بيروت وإقامتي فيها تسع سنوات كاملة.

في هذه السلسلة من المقالات سأحكي في كل مرة عن معتقد خاطئ كنت أؤمن به وبدّدته بيروت، مانحةً إياي فكراً جديداً حراً، بث فيّ شيئاً من السعادة وساهم في نجاحي لاحقاً.

عندما كنت أمشي في طريقي إلى مدرستي في شوارع المدينة السكنية التي كنت أقطنها في صنعاء؛ كنت أتعمد النظر إلى الأرض وأمشي محدودبة لكي أخفي صدري، كنت أشعر بالعار لأنني أنثى. كان عليّ أن أكون صارمة بقدر الإمكان، حركاتي كلها محسوبة وكأنني متهمة مطلوب منها في كل لحظة إثبات أنها إنسانة محترمة وليست عاهرة تحاول جذب الرجال. هذا كان شعور معظم الفتيات باستثناء من تمرّدن. كنا نشعر بالخجل من كوننا نساءً، وكأنها صفة تدعو إلى الشعور بالعار.

في يوم ما حدث موقف آلمني أنا وصديقاتي. اقترحت عليهن أن نمشي في حيّنا لنشتري بعض الأغراض ونتعرف إلى المحلات، مشينا بكل هدوء بالطريقة التي ترضي المجتمع وباللباس الذي اختاره لنا. واحدة من الصديقات كانت تمشي وهي تتمايل قليلاً لأن كعب حذائها كُسر، ونحن نمشي بأمان وأنا أطأطئ رأسي كالمعتاد. فجأة شعرنا بحجارة ترمى علينا، وعندما التفتنا، رأينا مجموعة شباب يضحكون ويقولون “امشي سوا يا قليلة الأدب”، سكتنا ولم نفعل شيئاً، فنحن لا نريد المزيد من الفضائح.

رأيت الخجل والعار في عيني صديقتي التي لم تعرف كيف تتصرف وكيف تمشي، فقررنا أن ننقسم، جزء منا ذهب لإحضار سيارة أجرة، والجزء الآخر وقف معها من دون حراك إلى أن وصلت سيارة الأجرة.

منذ ذلك اليوم لم نعد نفكر أبداً في التنزّه في الحي، وبتّ أكتفي بالسير من البيت إلى المدرسة.

ذات مرة، فيما كنت ذاهبة إلى المدرسة محنية الظهر وخائفة من نظرات الرجال، سمعت صوت شاب يمشي مغنياً: “منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي” لمحته وهو يمر بجانبي مرتدياً زياً عسكرياً، وتمنيت لو كنت رجلاً أمشي مرفوع الرأس، منتصب القامة. كنت أظن أن الرجال وحدهم يحق لهم المشي من دون أن يخافوا أو يحسّوا بالعار…

ولكن بيروت غيّرت كل هذا.

الأنوثة هنا ليست عاراً

أول ما لاحظته في بيروت، النساء، ليس فقط لجمالهن وإنما للثقة بالنفس التي تتمتع بها غالبيتهن. هنا يتعامل المجتمع مع النساء بكل احترام وتقدير و”غنج”، المرأة اللبنانية مدللة ولا أقصد مدللة بمعنى أنها ليست مستقلة ومعتمدة على نفسها، إنما أعني أنها تُعامَل برقة وكأنها وردة، وهذا التعامل يطبق على كل النساء من كل الأعمار، منذ الطفولة حتى الشيخوخة.

في مجتمعاتنا، وأقصد هنا اليمن وما حولها من دول الخليج، تُعامل المرأة على أنها فتنة وعار، والتعامل معها يجب أن يكون جافاً وغليظاً، والخجل من وجودها هو السائد، إلى أن تصبح عجوزاً فيبدأ المجتمع بتقديرها على أنها أم يجب احترامها، ولكن هذه الأم قبل أن تصبح بهذا العمر تكون قد عانت الكثير من الظلم، ما يجعلها تطبّق هذا الظلم على بناتها وزوجات أبنائها.

في بيروت تمشي النساء مرفوعات الرؤوس، ويفردن صدورهن من دون شعور بالعار، الأنوثة هنا ليست عاراً، هي أنثى فخورة بكونها أنثى ليس عليها أن تخفي ذلك أو تتصرف كرجل لتنال تقدير الناس واحترامهم. يا للغرابة!

نعم، كان هذا يبدو غريباً بالنسبة إلي. قد تعتقدون أن الموضوع لا يستحق كل اهتمامي هذا، ولكن بالنسبة إلي كانت هذه المعلومة مثل نقطة ضوء جعلتني أعرف قيمتي كامرأة… كإنسانة ليست عاراً ولا فتنة وإنما معتزة بكونها امرأة وفخورة بأنوثتها.

الأنوثة ليست عاراً ولا فتنة، كان هذا أول درس تعلمته في بيروت… ثم تعلمت أن أمشي بثقة وأرفع رأسي وأقول في نفسي “منتصبة القامة أمشي مرفوعة الهامة أمشي”.

عن arafat

شاهد أيضاً

“اليمن : قصة مأساوية لحياة الطفولة المهدورة وجرائم العنف القاتلة”

‏‏  3 دقائق للقراءة        550    كلمة الحديدة نيوز // اشراق الصبري صنعاء – اليمن  في بلد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *