تهامة اليمن

الأعراس التهامية.. عادات وطقوس قديمة لم يغيرها الزمن

‏  7 دقائق للقراءة        1251    كلمة

الحديدة نيوز  /أمة الرزاق القزحي

 

يزخر الفلكلور الشعبي بمحافظة الحديدة بأنماطٍ شتى من الموروث  الذي ما يزال يحظى بزخمٍ لافت في البيئة المحلية بمحافظة الحديدة التي يغلب عليها الطابع التهامي، في مختلف مديريات المحافظة إلى جانب مدينة الحديدة (مركز المحافظة).

اعراس تهامية
عرسان يرتدون الزي التهامي الشعبي

 

 ولعل الصورة الأكثر تجليًا لهذا التنوع والفرادة في الموروث التراثي بالحديدة، تفصح عن نفسها خلال حفلات الزفاف، التي يحافظ السكان المحليون على إحيائها بالكيفية التي دأب عليها أسلافهم، كنوع من تأكيد الانتماء الوشيج بين الإنسان التهامي وبيئته المحلية، وما تميزت به من خصوصية في الفن الغنائي، واللباس، والعادات والتقاليد التي تصنع توليفةَ فلكلورية جديرةً بالبقاء والديمومة.

ما يميز الفلكلور التهامي عن سواه من ملامح التراث الشعبي في اليمن؛ يكمن في بساطته وقربه إلى الذائقة الفطرية، فضلا عن احتفاظه بعوامل البقاء في مغالبة مُدخلات التحديث المجافية للعفوية الفرائحية التي تتسم بها الأعراس التقليدية ذات الطابع الاستثنائي بمحافظة الحديدة، على نحوٍ يستدعي التوقف على بعض جوانبه التي من أبرزها:

الحناء اليمني
شباب يحتفلون بالحناء في عرس

يوم الحناء

من تقاليد الأعراس الشائعة في تهامة بالحديدة، ما يُعرف بـ”يوم الحناء”، وهو يومٌ يسبق يوم الفرح الكبير، وتبدأ مراسيم يوم الحناء بقرع الطبول أمام منزل العريس، بحضور الأهل والجيران والأصدقاء والمدعوين، ، حيث يتم طحن أوراق الحناء الى ان تصبح مسحوقًا ناعمًا يُمزَجُ مع الماء حتى يصير عجينةُ لَدِنةً يضعها العريس على يده لبعض الوقت، كما يقوم أصدقاؤه ومحبوه بفعل الشيء نفسه تعبيرًا عن مشاركته الفرحة، وهي إحدى العادات المتوارثة التي ما يزال أبناء تهامة يحافظون عليها، وفي الغالب يؤدي الشباب رقصات خاصة بيوم الحناء، مع بعض الأهازيج  التهامية الخاصة بهذه المناسبة، ولعل أشهرها أهزوجة “وا على امحنا” التي تتكرر كثيرًا في هذا اليوم.

يوم العرس

يعد يوم الخميس هو اكثر الأيام التي يقام فيها حفلات الزفاف ، ففي  صباح هذا اليوم تدق الطبول ويرقص الجميع فرحاً بهذه المناسبة ويتم ذبح عدد من المواشي وإعداد وليمة غداء يتم دعوة الأصدقاء والأهل والأقارب لتناولها ،بعد ذلك يتجهون الى صالة الافراح والبعض يقوم بتجهيز صالة  متنقلة  ويسميها أبناء تهامة (المخدرة) حيث يتجمع  فيها المدعوين ويتبادلون التهاني مع العريس ، ويقوم بإحياء الزفاف أحد الفنانين  .

 

لباس الفرح

يتخذ اللباس التقليدي التهامي _على بساطته_ أهمية خاصة في احتفالات الأعراس بمحافظة الحديدة، حيث يتعين على العريس يوم فرحه ارتداء الكوفية البيضاء، أو العمامة مع اللحاف (الشال) الذي يوضع على الكتفين، بالإضافة إلى القميص (الثوب) أو الفانيلة والمقطب، بينما يتزنَّر الخصر بالحزام و”النصلة” وهي خنجر تقليدي يُصنع مقبضة وغمده في العادة من الفضة.

وينظر التهاميون إلى لباسهم التقليدي بقدر كبير من الإعزاز والتآلف، حيث يقول سليمان السلامي (40 عامًا) لـ”الحديدة نيوز”، إن اللباس التهامي في الحديدة يعد جزءً أصيلاً من الثقافة المحلية التي تتميز بملبوساتها المتنوعة ذات الطابع المختلف عن باقي محافظات اليمن وهي تجسيد عملي يعكس مدى الانتماء للعادات والتقاليد التي ورثها أبناء تهامة عن أجدادهم.

 

تهامة زفاف

الرقص والغناء

تحتل الأغاني ذات اللون التهامي، الحيز الاكبر خلال الأفراح، حيث  أن “الرقصات والأغاني التهامية لها طابعها الفريد والمتداول بكثرة، منها (ووجون، ووباه، وامناصف، قطر امزعفران..)، وهي _كغيرها_ من الأغاني التي تحضر في أعراس التهاميين ومناسباتهم على نحو لافت، ترافقها إيقاعات ورقصات شعبية مثل: الزحفة/ الكندو/ الحقفة..”.

 

 

عبء التكاليف

مع دخول اليمن في متوالية الحرب التي تطاول أمدها، وانحدار المستوى المعيشي للسواد الأعظم من اليمنيين، إلى جانب انهيار العملة المحلية أمام الدولار والعملات الأجنبية، وجد الشباب التهامي أنفسهم أمام مشكلة حقيقة في الظفر بفرحة العمر التي أصبحت تكلفهم جهد سنوات من العمل والادخار، في ظل الارتفاع المتصاعد في تكاليف الزواج بشكلٍ مطّرد خلال السنوات الست الأخيرة، بالتوازي مع تعذر فرص العمل أو شحتها، الأمر الذي حَدَا بنسبةٍ كبيرةٍ من الشباب إلى العزوف عن الزوج، بعد أن أصبحت تكاليفه العالية تِفوْقُ قدرتهم المادية، بالمقارنة مع الوضع الذي تعيشه محافظة الحديدة وسواها من محافظات اليمن عمومًا. 

 

في السياق، يوضح الشاب موسى عبد الكريم (25 عامًا) لـ”الحديدة نيوز”: “أن قدرة الشباب على الزواج تضاءلت بنسبة كبيرة منذ بداية الحرب في البلاد، بسبب الوضع الاقتصادي الذي أصبح حائلا أمام معظم الشباب دون إكمال نصف دينهم، ذلك أن المبالغ التي تُطلب منهم تعد مرتفعة بالنظر إلى الحالة المادية المزرية التي صارت تهيمن على كثير من الأسر في السهل التهامي، حيث تتراوح تكاليف الزواج في العادة بين مليونين إلى 3 ملايين ريال يمني، بدءًا من الخطوبة ومرورًا بعقد القران ومهر العروس وانتهاءً بتكاليف الزفاف”.

الحناء التهامي
شباب يرقصون في يوم الحناء

يُضاف إلى ذلك _بحسب موسى_ تكاليف الضيافة يوم الزفاف التي تتراوح بين 500 ألف إلى مليون ريال، إلى جانب النفقات الأخرى مثل إيجار القاعة الذي يصل في المتوسط إلى 150 ألف ريال، وتزيين بيت العريس أو الشارع الذي يسكن فيه، بما قيمته حوالي 60 _ 120 ألف ريال.

 

كل تلك النفقات، أصبحت تشكل عبئًا مضاعفًا على الشباب المقبلين على الزواج، ولاسيما أن نسبةً غير قليلة من أولياء الأمور، يتعامون مع الشباب الذين يقصدون الزواج من بناتهم كنوع من التجارة، حد وصف أحد الشباب لـ”الحديدة نيوز”.

 

لكن برغم ذلك، يحاول السكان المحليون بمحافظة الحديدة الاحتفاظ بهويتهم وطريقتهم الاستثنائية بطابعها الفلكلوري المتجدد في احتفالاتهم بالأعراس التي تشحذ شعورهم بالانتماء لموروثهم الأصيل الزاخر بالحياة والبساطة، دون أن يفقدوا الأمل في انقضاء الحرب، وعودة الحياة إلى سكينتها الأولى.

عن Admin

شاهد أيضاً

الفـــرق بين مــمارسة الطب ومــمارسة الجريمة ..

‏‏  3 دقائق للقراءة        519    كلمة الحديدة نيوز / كتب / محمد الشيباني   يقسم ممارس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *