زواج القاصرات في اليمن
أضرار الزواج المبكر

الزواج المبكر.. حرمان من التعليم وإهدار لثروة بشرية

‏  9 دقائق للقراءة        1720    كلمة

   الزواج المبكر.. حرمان من التعليم واهدار لثروة بشرية

   إعداد -الحديدة نيوز

   في منتصف كانون الثاني (يناير) من العام 2016، احتفلت أسرة حسين بزفاف ابنتهم سلمى (14 عاماً) على أحد أبناء القرى المجاورة، وهو يكبرها بعشر سنوات، وبعد أخذ موافقه شكلية فقط منها. في ذلك اليوم، انتقلت من منزل أسرتها إلى منزل زوجها، وتبلغ حالياً من العمر 19 عاماً، وتسكن في منزل صغير بالحديدة حيث أصبحت متفرغة لرعاية زوجها وثلاثة أطفال والأعمال المنزلية.

 

  تقول سلمى: “تزوجت وأنا صغيرة، وكنت حينها لا أفهم أي شيء عن الحياة الزوجية، وكل ما كان يهمني هو اللعب مع صديقاتي والتعليم. لكن منذ زوجني والدي، حُرمت من طفولتي وكذلك من التعليم، في حين لا تزال صديقاتي طالبات في المدارس. حاولت أن أكمل تعليمي، فرفض زوجي، وأشعر بالندم عندما أرى فتيات في عمري ذاهبات للمدارس، فيما أنا جالسة داخل منزلي”.

 

  وتضيف سلمى: “لدي الآن ثلاثة أطفال، وسنُسجلهم بالمدرسة بعد أعوام قليلة. لكن من سيتولى تدريسهم؟ والدهم أيضاً لم يلتحق بالتعليم. ومرات كثيرة أشعر فيها بالحرج لزوجي عندما يجد ورقة أو تصله رسالة على هاتفه لا يعرف قراءتها. حتى أنا لا أعرف القراءة جيداً، وحُرمت من التعليم بسبب زواجي، وهذا سينعكس سلباً في الأيام القادمة على أطفالنا ومستواهم التعليمي”.

 

  واجهت سلمى الكثير من المشاكل بسبب زواجها مبكراً ومنها مشاكل صحية ونفسية وجسدية أيضاً وما زالت تواجه التأثير السلبي لزواجها ومنه عدم قبولها العمل في إحدى المدارس كعاملة نظافة بعدما تقدمت لشغل الوظيفة من أجل مساعدة زوجها على توفير نفقاتهم اليومية من الأكل والشرب وغيرها من الحاجات التي يعجز زوجها عن تأمينها، نظراً لقلة الدخل اليومي الذي يحصل عليه من عمله على دراجة نارية.

الزواج المبكر في اليمن
أضرار الزواج المبكر

حرموني طفولتي

  ليست سلمى وحدها من تعاني من التأثيرات السلبية لزواجها مبكراً، “فتحية” (23 عاماً) هي الأخرى تعاني، إذ تزوجت حين كانت في سن 15 عاماً، وأصبح لديها الآن ابن وابنة. “منذ زواجي قبل ثمانية أعوام وأنا أواجه مشاكل كثيرة”، تروي فتحية، إذ “أخطأت أسرتي عندما زوجتني مبكراً، لقد حرموني من طفولتي وحرموني من كل شيء، حتى التعليم أيضاً. قبل أسابيع، التحق ولدي بالمدرسة، وعندما يعود كل يوم من المدرسة وأراه حاملاً حقيبته، أشعر بالقهر والحزن لعجزي عن القيام بالمذاكرة له، وأخاف كثيراً على مستقبل ولدي ومستواه التعليمي. لا يوجد من يقوم بالمذاكرة له، والده مغترب في احدى الدول المجاورة، وكل يوم أتمنى بأني لم أتزوج وبقيت في المدرسة لأكمل تعليمي”.

زواج الصغيرات باليمن
زواج الطفلات في اليمن

أرقام واحصائيات

  في السنوات الأخيرة، تفاقمت ظاهرة الزواج المبكر في اليمن بشكل كبير إذ تُشير آخر الإحصائيات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إلى أن أكثر من 4 ملايين طفل تزوجوا قسراً في اليمن. وفي تقرير أصدره المركز الدولي للدراسات العام الماضي، حل اليمن في المرتبة الـ 13 من بين 20 دولة صُنفت على أنها الأسوأ في زواج القاصرات.

 

  ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة والحكومة اليمنية، فإن أكبر معدلات الزواج المبكر عادة ما تكون في القرى التي لا تتوافر بها مدارس ثانوية قريبة ومناسبة للفتيات، مما يجعل الأهالي يرفضون أن تذهب بناتهن إلى مناطق بعيدة يوميًا للوصول إلى المدرسة.

 

   كما تشير البيانات التي نشرتها “هيومن رايتس ووتش” إلى أن نحو 14% من الفتيات اليمنيات يتزوجن، دون الـ 15 عاماً، و52% يتزوجن وعمرهن 18 عاماً. ووفقاً لأرقام رسمية، يشهد اليمن 8 حالات وفاة يومياً لقاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة وهو ما أكدته أخصائية أمراض النساء والولادة الدكتورة سلوى الغميري، إذ تلفت في حديثها لـ “الحديدة نيوز” الى أن “أكثر المشكلات الصحية الناتجة عن الزواج المبكر هي تعسّر الولادة الناتج عن الحمل المبكّر، والناسور الوليدي، نقص الوزن بعد الولادة، سوء التغذية، فقر الدم، سوء التغذية، هشاشة العظام، ارتفاع ضغط الدم الذي يتسبب بوقوع مشكلات في القلب والكلى والأوعية الدموية”.

زواج القاصرات في اليمن
أضرار الزواج المبكر

ظاهرة ليست جديدة

   رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني مها عوض تشير في حديث لموقع “الحديدة نيوز” إلى أن زواج القاصرات ليس بجديد، ولكن ظروف الحرب وازدياد النزوح والتهجير القسري، ألقت بثقلها على العديد من الأسر، مع غياب الخدمات الأساسية. ووفقاً لمها عوض، دفعت هذه الظروف، العديد من الأسر والآباء الى تزويج بناتهن في أعمار صغيرة، وهو انتهاك لحقوقهن، وأحد أشكال العنف بحق القاصرات.

 

  وتبرر عوض بأن الكثير من الاسر والآباء، ينظرون الى مسألة تزويج بناتهن في اعمار صغيرة في الأساس كأحد أشكال الحماية بسبب ظروف النزوح وعدم الاحساس بالأمن والأمان إلى جانب الضغوط المعيشية والظروف الاقتصادية. هذه الظروف دفعت بكثير من الأسر إلى تزويج بناتهن بأعمار صغيرة، وحرمانهن من التعليم.

 

تأثيرات مختلفة

  لا يتوقف تأثير الزواج المبكر على الجانب الصحي أو الجسدي فقط للفتيات المتزوجات في سن مبكر، إذ أن هناك تأثيرات كثيرة منها تنموية وتعليمية واقتصادية تلقي بظلالها على الفتاة بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام. الخبير الاقتصادي محمد عبده أحمد يقول لموقع “الحديدة نيوز” إن الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة يحرمن من التعليم ويصبح دورهن في المجتمع ضعيفاً جداً، ولا تتاح لهن فرص للعمل، بسبب عدم حملهن مؤهلات دراسية. وهذا يعني، وفقاً لعبده، أنهن قد يعشن ظروفاً اقتصادية صعبة، ويصبح دورها في المجتمع منحصراً فقط في دور ربة البيت، عكس الفتيات اللاتي يتزوجن في سن متأخر إذ يجدن الفرصة لإكمال تعليمهن، ما يزيد من حظوظهن في الحصول على فرص عمل تساعدهن على اعانة أسرهن في توفير احتياجاتهم، وتحسين ظروف العيش.

 

  ويضيف أن زواج الفتاة في سن مبكر يُشكل خطراً عليها وعلى المجتمع في الجوانب كافة، ولهذا لا بد من بقاء الفتيات في المدارس وتشجيعهن على إكمال تعليمهن من أجل إيجاد مجتمع خال من الأمية والفقر، وكذا من أجل الحد من الارتفاع السكاني الذي يكبد الاقتصاد خسائر مالية كبيرة. ولهذا لا بد من إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة.

 

القانون مدخل للحل

  وللقانون في مثل هذه الحلول دور أساسي. وفقاً لدراسة حول وضع المرأة اليمنية أعدها عدد من الخبراء اليمنيين بالتعاون مع البنك الدولي، يفرض عدم تحديد سن قانوني أدنى للزواج، المزيد من العوائق الأساسية أمام التنمية البشرية والتمكين الاقتصادي وقدرة وتأثير المرأة سواء داخل المنزل أو خارجه. واعتبرت الدراسة ذلك أحد الأولويات الملحة للإصلاح، حيث تبدأ مسيرة ادماج النساء في النشاط الاقتصادي بتعليم الفتيات وتشجيع استمرارهن في المدارس، وتحديد سن الزواج وتوعية أسرهن بأهمية التعليم وخطورة الزواج المبكر على فتياتهم.

 

  عام 2009، صوتت غالبية أعضاء البرلمان اليمني على تحديد سن 17 عاماً كحد أدنى للزواج، لكن القانون لم يخرج للنور، ما دفع عدد من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2014، لوضع بنود تحدد سن الزواج بـ18 عاماً في مسوّدة الدستور الجديد الذي لم يُقر بسبب اندلاع الحرب في اليمن.

 

  في حديثه لـ”الحديدة نيوز”، يقول عضو مجلس الشورى ناصر الرقابي” إن مشكلات الحرب لم تترك وقتاً لأعضاء مجلسي الشورى والنواب للتفكير ولمناقشة ظاهرة زواج القاصرات.

 

   حتى إقرار هذا المشروع، يبقى القانون اليمني القديم سارياً، وهو يُعطي لولي أمر الصغيرة حق التصرف بها وتزويجها، وفقاً للناشط عوض. “وهذه إشكالية، إذ لا يوجد قانون يمنع انتشار هذه الظاهرة، ولا تفاعل من الجهات المعنية، لتقديم الحماية بموجب القانون، ولا يوجد متسع من العمل على ايقاف مثل هذه الظواهر، بل تبقى المسألة مرتبطة بصاحب القرار، وهم أولياء الأمور”.

 

   خلال الأسابيع الماضية، تعاون فريق “الحديدة نيوز” في اليمن مع “التغيير الالكترونية” في السودان، على انتاج تحقيقين صحافيين يتناولا قضية زواج الطفلات وأثره على المجتمع والتعليم والتنمية المستدامة. وكان العمل المشترك مفيداً في الإضاءة على الآثار المدمرة لهذه الظاهرة في البلدين، مع استعراض للأبعاد القانونية والثقافية والاجتماعية. فيما بالإمكان الاطلاع على موضوع “التغيير الالكترونية” على هذا الرابط، انقر هنا

عن Admin

شاهد أيضاً

من ينقذ الموهبة حسان ريان !!

‏‏  2 دقائق للقراءة        214    كلمة الحديدة نيوز / كتب / منصور الدبعي  هذا حسان ريان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *