لماذا تعيش بعض العلامات التجارية لعشرات السنين؟

‏  7 دقائق للقراءة        1365    كلمة

[k.

لماذا تعيش بعض العلامات التجارية لعشرات السنين؟

الحديدة نيوز/خـــــــاص

بعض الشعارات التجارية يتوارى، وبعضها الآخر يعيش لقرون طويلة. فما الذي يجعلنا نحب شعارا ما أو نعرض عنه؟

في وقت ما من عام 1855، جلس عبقري غير معروف ليصمم شعاراً. كان ذلك الشعار عبارة عن مثلث قرمزي بسيط، لكنه استمر وانتشر على امتداد العالم.

وقد لصق ذلك الشعار على زجاجات بيرة “باس بيل” الشهيرة، وهي بيرة يغلب على طعمها الشعير. وفي العقود التالية وجد هذا الشعار طريقه إلى رسومات إدوارد مانيت، وإلى 40 لوحة على الأقل للرسام بيكاسو، وظهر في رواية أوليسيس، وكتاب للأطفال.

وبحلول عام 1871، أمكن العثور على الشعار حتى في أكثر الزوايا المطموسة في الإمبراطورية البريطانية، من شواطيء جزر فوكلاند المتجمدة إلى شواطيء موريشوس المدارية. إنها أقدم علامة تجارية مسجلة في المملكة المتحدة.

لكن التعرف على هذا الشعار هذه الأيام لا يتم بالسرعة السابقة. وينضم شعار باس بيل إلى شعارات أخرى شهيرة، مثل “شاي تويننغز”، و”ليفي ستراوس” و”بيجوت” و”جونسون أند جونسون” وصلصة “هاينز” و”شيل” للبترول، تجاوزت مئة عام من عمرها.

ويختلف تصميم تلك الشعارات الأسطورية عن تصميمات أخرى ظهرت في وقت لاحق ولاقت انتقادات كثيرة، مثلما حدث عندما أضافت شركة “جاب” مربعا جديدا لشعارها القديم. إذ أحدث زبائن الشركة ضجة انتهت بإسقاط هذا الشعار بعد أسبوع واحد فقط من ظهوره، أو عندما تخلت خدمة البريد الملكية عن تراثها الممتد إلى 350 سنة واتخذت شعارا جديدا وعلامة تجارية جديدة تحمل اسم ” كونسيغنيا”.

لكن الشعار والاسم الجديدين أثارا حيرة كبيرة لدى الجمهور، وكلف اثنين مليون جنيه أسترليني، وتراجعت عنه الشركة المصممة بسرعة. إذ يقول أليسون شيلدز، أستاذ التسويق المساعد في كلية إيثاكا بنيويورك: “من الرائع كل هذا الشغف من الناس تجاه علامات تجارية معينة”.

ما الذي يجعل شعاراً معيناً يرسخ في الأذهان، كنوع من الصورة التي تتغلغل في وعي الجمهور، وتتمتع بالاحترام والجودة، أو الشعور بالحنين؟ وما الذي يجعل شعارات أخرى تندثر؟

قول مايكل بيروت، مصمم شعار حملة هيلاري كلينتون الانتخابية عام 2016 ضاحكاً: “في العادة لا يطلب منا تصميم شعار يعيش لمئات السنوات”.

ويضيف قائلاً: “بالنسبة لي، الفكرة الأساسية للشعار الذي يدوم طويلاً هي البساطة”. فالشعار المجرد الخالي من الرتوش يسهل التعرف عليه ولا يختفي مع مرور الزمن.

لكن بينما ينطبق هذا على مثلث باس الذي يبدو وكأنه صمم أمس فقط، ليس ذلك هو العامل الوحيد الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار. فشعار كونسيغنيا الخاص بالبريد الملكي البريطاني الذي اعتبر غلطةً، صادف نجاحاً محدوداً، بينما شعارات الشركات المخضرمة مثل جونسون أند جونسون، وكوكاكولا، وليفايز تعد شعارات ناجحة ومتفوقة. فما هي الحكاية؟

بداية، يعتمد الأمر على الشيء الذي تقوم ببيعه وتسويقه. خذ شركة التكنولوجيا الضخمة “أي بي أم” كمثال. فعلى الرغم من أن شعارها مضى عليه فقط 61 عاماً، إلا أنه في صناعة سريعة التطور كهذه يعد ذلك سابقا لعصره، فمنذ إطلاقه عام 1956، لم يكن الكمبيوتر الشخصي قد اخترع بعد.

وقد بدأت قصة النجاح هذه في معرض أقيم في نيويورك أواسط الخمسينات، عندما كان ابن رئيس الشركة ثوماس واتسون الصغير يتابع مجموعة مختارة من طابعات ماركة أوليفيتي.

وقد شده الأسلوب الأنيق المعاصر الذي عرضت فيه المجموعة، وأدرك أن التصميم أمر في غاية الأهمية. ومن حينها، قرر أن ينطلق بشركة والده إلى القرن العشرين.

وعندما تولى واتسون رئاسة الشركة، استعان بخبرات تمثلت في التعاقد مع بول راند مصمم الجرافيك الشهير من بروكلين. وقد قضى راند أكثر من عقد من الزمن يحاول تصميم الشعار، محولاً إياه بالتدريج من حروف عادية متواضعة إلى نسخة سوداء من الخط السميك، ومن ثم إلى شكله المحدد بالأسود والأبيض المألوف لدينا هذه الأيام.

لقد كان سابقاً لعصره في أصغر التفاصيل. على سبيل المثال لاحظ أن الخطوط البيضاء أكثر سمكاً عندما تضاء من الخلف، كما يحدث مع اليافطات وشاشات التلفزيون. وللتغلب على ذلك، جعل الخطوط البيضاء أقل سمكاً من السوداء حتى تظهر متساوية في عرضها عند رؤيتها من أي مكان.

وفي عالم التكنولوجيا، يعتبر الظهور بمظهر الحداثة أمراً جوهرياً. فلا أحد يرغب في شراء جهاز كمبيوتر من شركة تمتد جذورها إلى القرن التاسع عشر. لكن الناس يفعلون ذلك عندما يشترون المشروبات.

ويقول بيروت: “شعار شركة كوكاكولا يعتبر على سبيل الجدل شعاراً عفى عليه الزمن. لكن المستهلكين يبحثون عن منتج أصلي حقيقي، ولهذا يعتبر الشعار ناجحاً ويؤدي هذا الغرض”.

فضلاً عن عامل القدم والعراقة، يعتمد نجاح شعار أي شركة على أن يصبح ذلك الشعار مرتبطاً بالحنين إلى الماضي. يقول شيلدز: “فالناس يهتمون حقاً بهذه العلامات التجارية، وهم عادة يتحدثون عنها كما يتحدثون عن الناس الآخرين”.

في السنوات الأخيرة، بدأت الشركات تنتبه إلى ذلك، عائدةً إلى شعاراتها الأصلية لتشجيع المستهلكين عاطفياً وشعورياً على اقتناء منتجاتها.

وعلى سبيل المثال، عادت شركة كوداك إلى شارتها التقليدية التي تعود إلى حقبة السبعينات، وفعلت شركة نينتندو الشيء ذاته، حيث عادت إلى النسخة الحمراء التي يتذكرها من هم في العشرينات من عمرهم من أيام طفولتهم.

يقول شيلدز: “ينجح ذلك إذا كان هناك فاصل زمني محدد، إذ لا يمكن أن تشعر بالحنين للماضي تجاه شيء حدث الأسبوع الفائت”. وهذا في حد ذاته يأتي بمشاكله الخاصة أيضا.

كان انتقال البريد الملكي البريطاني إلى شعار جديد تحت اسم “كوسيغنيا” يفترض أن يشي بتغيير جذري في عمل المؤسسة برمتها. فقد كانت لدى جون روبرت، المدير التنفيذي للشركة في ذلك الوقت، خطط كبيرة للتوسع خارج البلاد، وأرادها أن تكون أكثر من مجرد شركة تقوم بتوصيل البريد.

لو تمكن روبرت من تغيير تلك العلامة التجارية بنجاح، ربما أدى ذلك إلى تحديث صورة الهيئة وتنشيطها من جديد. لكن الشعارات التي توحي بالحنين للماضي يمكن فقط أن تصاغ بدقة وحذر وعناية.

يقول شيلدز: “إذا جعلت الشعار مختلفاً بشكل كبير، فسيشعر الجمهور أن هذه لم تعد العلامة التجارية التي يعرفونها، وسيشعرون بالإحباط من ذلك”.

في النهاية، يلعب الحظ دوراً كبيراً أيضا في استمرار أي تصميم معين. وكما سيخبرك أي مصمم، فإن العامل الذي يحدد في نهاية الأمر مدة بقاء أي شعار هو سمعة الشركة.

يقول بيروت: “الشعارات عبارة عن مراكب فارغة يمكنك ملؤها بالمعانى. يمكنك أن تصمم مركباً مناسباً ليحمل المعنى الذي تريد دون أن يكون فيه خرق أو فجوات، ويمكنك تشكيل هذا المركب ليناسب المعنى الذي يحمله، ولكن في نهاية الأمر، فإن المعنى هو الشيء الذي ينطبق عليه الشعار مع مرور الوقت”.

ويعطي بيروت مثالا لذلك شعار شركة إنرون والذي كان أيضاً من تصميم راند. فهو شعار وظيفي كامل الأوصاف ويستجيب لكافة قوانين التصميم الجيد. فهو بسيط، ويغلب عليه اللون الأزرق، والذي ينظر إليه في هذه الصناعة كلون “آمن” لجميع المناسبات.

رغم ذلك، لم يتمكن الشعار من إنقاذ الشركة عندما حاصرتها فضيحة في عام 2001 قبل أن تعلن إفلاسها. فبغض النظر عن شكل أي شعار من الشعارات، فإن الشعار دائماً يخضع لسمعة الشركة التي يمثلها، ويموت بموتها.

على الجهة المقابلة، يمكن أن يصبح شعار شركة ناجحة من أكثر الرموز التي يعاد إنتاجها على وجه الأرض. فمثل مثلث شركة باس في القرن 19، يقول بيروت إن شعار شركة “ماستركارد” الذي يتكون من دائرتين متداخلتين يحملان اسم الشركة، وهو أحد التصميمات التي أنتجتها شركته، تم إنتاجه مليارات المرات، على واجهات المتاجر، وبطاقات البنوك، والصرافات الآلية، وأماكن الدفع، وكذلك على الإنترنت.

ويقول بيروت: “أحب أن أفكر أنه في نهاية الأمر أن أحداً ما سيحفر في الكرة الأرضية في المستقبل البعيد وسيجد شيئاً يحمل ذلك الرمز”. يا له من خلود

 

عن gamdan

شاهد أيضاً

الممثل المسرحي الشاب سعد عطاء: أحب أداء الأدوار الكوميدية..والمجتمع متعطش للمسرح والترفيه

‏‏  5 دقائق للقراءة        997    كلمة الحديدة نيوز_ لقاء_عرفات مكي في الوقت الذي لا يوجد في اليمن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *