جريدة الرياض: اليمن الديمقراطي..
اليمن قبل وبعد الثورة كان يعاني أوضاعاً اقتصادية وأمنية واجتماعية معقدة، لا يستطيع حلها إلا بتضافر جهود داخلية مع عربية، ولو قدر أن ينجح في الانتخابات ويتجاوز عقدة مواريث الحكم السابق، ثم يبدأ حواراً وطنياً جاداً يضم جميع الوجوه، ويعيد للجيش هيبته بعد تمزقه، فقد يبدأ مسيرة العمل لخلق حلول آنية وبعيدة المدى لمختلف ظروفه..
فالجنوب يسعى للانفصال والعودة إلى أوضاعه السابقة وبأن الوحدة لم تكن متوازنة وأن الهدف العودة للتنمية التي كانت مزدهرة قبل الوحدة، وهو مطلب يحتاج إلى مراجعة، وبدون أن تحدث حرب جديدة، أو مناوشات تكلف الطرفين خسائرهم الأجدى الابتعاد عنها، والقاعدة صارت تحكم قطاعات في الجنوب وتتقوى بدعم إيراني وخارجي، والمعركة معها ليست يمنية فقط بل مع أمريكا التي أدخلت سلاحها لقتل القيادات البارزة، أو اعتقال بعضها، وقد وجدت ظرف عدم الاستقرار أثناء الثورة فرصة لمد نفوذها، وكسب قاعدة شعبية لها، وهي أحد المآزق لأي حكومة قادمة..
الوضع الاقتصادي في أسوأ حالاته، والداعمون بقوا ينتظرون نتائج ما تؤول إليه الأوضاع المستجدة، لكن الأمر لا يقبل التأجيل، فخط الفقر وصل إلى الحد الحرج، والأولوية لمعالجة الحالة القائمة بمساعدات عاجلة خليجية وعالمية، إذا أرادوا أن تتجاوز الحكومة القادمة أهم تحدياتها، فاليمن بلا موارد أساسية، إلا بعض الزراعة وتحويلات العاملين في الخارج ثم إن ما سبق انسحاب صالح من الحكم جمّد أي نشاط اقتصادي مما ضاعف الوطأة على الأطفال بشكل خاص، حتى ان بعض العائلات التي لا تجد إلا وجبة واحدة تعتمد الخبز والشاي يؤكد أن المسؤولية الأخلاقية فوق الاعتبارات السياسية..
لو نجح اليمنيون في انتخاب رئيس توافقي، رغم الأوضاع الصعبة، فإن هذا الشعب يسجل وعياً مسبوقاً على الأدوات الثقافية، أي ان الحصيلة ستكون مفاجئة لبلد يرزح تحت الفقر ونسب الأمية المتصاعدة، مؤكداً أنه انتصر على مبررات القبلية والمناطقية، وبهذه السابقة يتفوق على بعض الدول العربية الأكثر تعليماً وحالات اقتصادية مقبولة، والبعد الأهم أنه رغم تواجد السلاح، وبشكل مكثف بين المواطنين، لم يستغل في حرب شوارع أو لأي سبب قابل للتصعيد..
لقد واجه الشعب اليمني فساداً مستشرياً على مستويات مختلفة، لكن ذلك جسّد مفهوم إسقاط النظام، والذي جاء إلى حد ما، سلمياً، وبمساعدة خليجية من أجل تغييرات جذرية، لا حلول مؤقتة، وهذه الرغبة احترمها الجميع، لأنها انطلقت من إجماع شعبي لا فئوي..
الأمن له الأولوية الثانية بعد تحسين الظروف الاقتصادية، وقد يرافق الانتخابات اضطرابات أو إطلاق نار، أو حتى قتلى، وهي طبيعة أي انتقال سياسي من مرحلة لأخرى عندما تصل المنافسات إلى حد تجاوز حدود الأمن، لكن الرغبة الشعبية بالنجاح والتوصل إلى حكم جديد اتفاق عام لأنه وسيلة إنقاذ لشعب يغرق في قضايا لا تحل إلا بتضافر جهود كل مواطن..
اليمن بلد مهم جداً عربياً، وبالتحديد خليجياً، فاستقراره يعني إغلاق أهم المنافذ للتدخل الخارجي، وخاصة من يدعم القاعدة والمنظمات الإرهابية، وهو حاجة أساسية لأمن الخليج العربي بوضعه الاستراتيجي الحساس والمفتوح على العديد من المنافذ..